آخر تحديث :الجمعة-22 أغسطس 2025-11:59م

تقارير


الحوثيون يعملون على حل الأحزاب السياسية وتكريس النظام الإيراني في اليمن

الخميس - 21 أغسطس 2025 - 08:04 م بتوقيت عدن

الحوثيون يعملون على حل الأحزاب السياسية وتكريس النظام الإيراني في اليمن

سؤال بلس/وكالات:

تشهد الساحة اليمنية منذ سنوات واحدة من أخطر الهزات السياسية والاجتماعية في تاريخها المعاصر، إذ تعمل مليشيا الحوثي الإرهابية، المدعومة من إيران، على تفكيك الحياة الحزبية في البلاد، والانتقال من التعددية السياسية إلى حكم شمولي قائم على النموذج الإيراني، مستندةً إلى القوة المسلحة والقمع الممنهج ضد القيادات الحزبية والناشطين السياسيين.

استهداف الأحزاب الكبرى
أولى خطوات مليشيا الحوثي تمثلت في استهداف حزب المؤتمر الشعبي العام، أكبر الأحزاب في اليمن من حيث القاعدة الجماهيرية والتمثيل السياسي. فقد اختطفت المليشيا أمس أمين عام الحزب غازي أحمد الأحول، بالإضافة إلى المئات من قيادات وأعضاء المؤتمر، بينهم شخصيات بارزة في اللجان الدائمة الرئيسية والفرعية بالعاصمة صنعاء، وعشرات الكوادر في المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة المليشيا.
وتشير المراقبة إلى أن هذه الاختطافات تمثل "محاولة ممنهجة لإفراغ الساحة السياسية من أي صوت معارض، وتكريس نظام الفرد الواحد على غرار ولاية الفقيه في إيران".

استهداف التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري
لم يتوقف الأمر عند المؤتمر، بل امتد ليطال التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، أحد أعرق الأحزاب القومية في اليمن. فقد تعرض القيادي أحمد طارش للاختطاف، إلى جانب أمين السر المساعد لفرع التنظيم بمحافظة صنعاء زين الله المطري. كما اختُطف القيادي البارز د. عبدالحفيظ القدسي، المسؤول السياسي لفرع التنظيم في أمانة العاصمة، إضافة إلى القيادي عبدالله الكولي، والدكتور عبدالحفيظ محمد سعيد، ما يؤكد اتساع دائرة الاستهداف لتشمل مختلف المستويات التنظيمية في الحزب.

استهداف الحزب الاشتراكي اليمني
الحزب الاشتراكي اليمني لم يكن بمنأى عن هذه الحملات، حيث تعرض يحيى منصور أبو أصبع، رئيس اللجنة المركزية للحزب، لمحاولة اختطاف من قبل المليشيا، لولا تدخل وسطاء لدى الجماعة، وذلك بعد هجومه عليها في خطاب له أمام إحدى الفعاليات التي أقامتها الجماعة ابتهاجًا بذكرى انقلابها.
كما شنت المليشيا حملة استهدفت الحزب الاشتراكي واختطفت عددًا من نشطائه في القطاع الطلابي، بينهم هارون الواقدي، رئيس لجنة الرقابة الحزبية والتفتيش المالي للقطاع بكلية الإعلام بجامعة صنعاء.
ولم تتوقف الانتهاكات عند الاختطافات، بل شملت اقتحام المنازل ونهب الممتلكات. فقد تعرض منزل القيادي الاشتراكي ضيف الله المغربي في منطقة بني مطر غرب صنعاء لاقتحام مسلح، تخلله اعتداء على أفراد أسرته ونهب محتوياته. كما تم اعتقال كوادر أخرى من الحزب، بينهم سعد محمد المحجري، ويحيى صالح الصليحي، والقاضي عبدالوهاب قطران.

استهداف أحزاب أخرى
امتدت الحملة الحوثية أيضًا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، حيث تم اختطاف الناشط رامي عبدالوهاب محمود، في تأكيد واضح على أن الجماعة لا تستثني أي طرف سياسي قد يشكل عقبة أمام مشروعها.
هذه الاختطافات والانتهاكات التي طالت قيادات وكوادر حزبية من مختلف الأطياف السياسية تؤكد أن الاستهداف ليس موجّهًا لحزب بعينه، وإنما هو خطة شاملة لتصفية العمل الحزبي برمته، وفرض نموذج سياسي عقائدي يقوم على الانفراد بالسلطة وتقديس القيادة على الطريقة الإيرانية.

تكريس النموذج الإيراني
تأتي هذه الإجراءات ضمن استراتيجية أوسع يسعى الحوثيون من خلالها إلى تكريس "النظام الإيراني" في اليمن، عبر تصدير مفهوم "ولاية الفقيه" وتحويل الساحة اليمنية إلى نسخة من التجربة الإيرانية في الحكم. فالقضاء على التعددية الحزبية وإلغاء الحياة السياسية التنافسية يشكلان ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف.
ويرى مراقبون أن الحوثيين يسعون من خلال هذه السياسة إلى إحلال منظومة بديلة تقوم على الموالين للمليشيا فقط، وتدجين المجتمع عبر مؤسساتها الخاصة، بدءًا بما تسمى "المسيرة القرآنية" وصولًا إلى المراكز الثقافية التابعة لإيران وحزب الله.

انتهاكات ممنهجة وقلق متصاعد
عبرت المنظمات الحقوقية المحلية والدولية عن قلقها البالغ إزاء هذه الممارسات، واصفة إياها بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحريات السياسية. فعمليات الاعتقال والخطف والاقتحامات لا تستند إلى أي مسوغ قانوني، بل تتم بالقوة المسلحة، وترافقها حملات إعلامية تحريضية تهدف إلى شيطنة الأحزاب وتصويرها كـ"أدوات للعدوان الخارجي"، في محاولة لتبرير جرائم الجماعة.
ويؤكد ناشطون أن هذه السياسات تمثل ضربة قاصمة لاتفاقيات الحوار الوطني ومبادئ الديمقراطية التي كان اليمن قد خطا خطوات أولية نحو ترسيخها قبل اندلاع الحرب.

مستقبل غامض
يقف المشهد السياسي في اليمن اليوم على مفترق طرق. فمع استمرار مليشيا الحوثي في فرض قبضتها الأمنية وتفكيك الأحزاب، يواجه اليمنيون خطر التحول إلى دولة بوليسية مغلقة على شاكلة إيران، وهو ما يهدد ما تبقى من مؤسسات الدولة المدنية ويقضي على آخر معاقل التعددية السياسية.

ومع أن الكثير من القيادات الحزبية لا تزال صامدة رغم حملات القمع، إلا أن الواقع يشير إلى أن المعركة الحقيقية باتت بين مشروعين: مشروع الدولة المدنية الديمقراطية الذي يمثله الطيف الواسع من القوى السياسية اليمنية، ومشروع الحكم العقائدي الشمولي الذي تفرضه مليشيا الحوثي بالقوة والسلاح والدعم الخارجي.
وبين هذا وذاك، يظل المواطن اليمني البسيط هو الخاسر الأكبر، إذ يدفع ثمن هذه السياسات من أمنه ولقمة عيشه وحرياته، فيما يظل حلم اليمن الديمقراطي المتعدد رهينة بيد جماعة تسعى لإعادة صياغة البلاد على مقاس مشروع خارجي دخيل.