آخر تحديث :الثلاثاء-17 سبتمبر 2024-11:08م

تقارير

ممر «الدموع» الذي شغل العالم.. ما هو باب المندب؟

السبت - 13 يناير 2024 - 11:23 م بتوقيت عدن

سؤال بلس/العين الإخبارية:

مياه فيروزية صافية، صخب صيادين وأشرعة قوارب، جبال قاحلة السواد، يربض مسترخيا يمد ذراعيه للبحر، وفي الأفق عند الغروب تتراءى سفن كمبانٍ شاهقة تمخر عباب البحر.

مشاهد بديعة تخطف أنظار الزوار في باب المندب الذي تحول اليوم إلى إحدى أكثر البؤر الملتهبة في العالم بسبب هجمات حوثية في ممر يعد بوابة البحر الأحمر الجنوبية، ونقطة التقاء قارات العالم الـ3 (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا).

يتبع باب المندب إدارياً محافظة تعز اليمنية، ويرتبط باسمه أساطير وحكايات، منها أنه يستمد اسمه من المخاطر المحيطة بملامحه، فيما تذهب رواية أخرى إلى أعداد المفقودين الذين ابتلعهم إثر زلزال أبعد آسيا عن أفريقيا.

أما أصول التسمية فتعود إلى اللفظ العربي "الندب"، أي البكاء على الموتى، والمراد به "باب الدموع"، ويقال أيضا إنه سمي باب المندب لكثرة ندب العائلات على أبنائها المفقودين، بسبب تحطم سفنهم على الصخور المرجانية.

أدوار مختلفة
لعب مضيق باب المندب أدواراً مختلفة في تاريخ الشعوب المطلة عليه، سيما اليمن الذي يمتلك أفضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق من خلال تواجد جزيرة ميون أو بريم كما يسميها البعض في قلب المضيق الحيوي.

تزايدت الأهمية الاستراتيجية لباب المندب عقب شق قناة السويس، حيث أصبح المضيق حلقة وصل بين الشرق والغرب، ووفر طريقاً مختصراً لحركة التجارة العالمية.

أهمية موقع باب المندب جعلته دوما في مرمى أطماع القوى الكبرى ابتداء من البرتغاليين (1498) والعثمانيين حتى 1918، ولاحقا البريطانيين (1857) انطلاقا من جزيرة ميون التابعة إداريا لمحافظة عدن.

ويقع مضيق باب المندب في الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، ويربط هذا المضيق البحر الأحمر بالمحيط الهندي والخليج العربي والقرن الأفريقي، ويتوسط المسافة بين مدينتي السويس وبومباي الهندية.

يحتل المضيق المرتبة الثانية بعد مضيق هرمز من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، وتكمنُ أهميته في كونه رابع أكبر ممر مائي في العالم، حيث تمر عبره في الاتجاهين، أكثر من 21 ألف ناقلة بحرية سنوياً، بمعدل 58 ناقلة يومياً.

كما يبلغ عدد براميل النفط المارة من خلال المضيق باليوم الواحد ما يقرب من 43 مليون برميل نفط يومياً، وهو ما يعادل 4% من حجم الطلب العالمي، وفق تقديرات.

ومن وجهة نظر تجارية فإن الملاحة عبر باب المندب توفر الجهد والمال والوقت على سفن الشحن.

الجزيرة الحاكمة
وتتحكم جزيرة ميون (بريم) بالملاحة في باب المندب، حيث تقسمه إلى قناتين (إسكندر) ويبلغ عرضها ميلين بحريين (قرابة 3 كيلومترات) وعمقها 16 قامة بحرية (قرابة 26.2 متر) وتقع قبالة السواحل اليمنية، ولليمن السيادة الكاملة عليه، فهي وحدها التي تنظم سير الملاحة فيها وفقًا لتشريعاتها الوطنية.

أما القناة الكبرى والتي تقع بين الساحل الغربي لجزيرة ميون والشواطئ الأفريقية، والتي يبلغ طولها 10 أميال بحرية وعرضها يتراوح بين 16 ميلا (26 كيلومترا)، ويبلغ عمق المياه عند سواحلها 100 قامة بحرية (182 مترا) تقريبا.

وهذه القناة ينظم اليمن حركة الملاحة فيها وفقًا لأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية باعتباره مياها إقليمية للدول المشاطئة لليمن وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا.

إجمالا يبلغ، عرض المضيق قرابة 20 ميلاً (32 كم) بما في ذلك جزيرة ميون وذلك من رأس منهالي على الساحل الآسيوي، إلى رأس سيّان على الساحل الأفريقي.

وكان مضيق باب المندب بما فيه جزيرة ميون الاستراتيجية قد تحرر أواخر 2015 من مليشيات الحوثي التي تراجعت إلى مدينة وموانئ الحديدة شمالا لتحولها حتى اليوم قاعدة عسكرية حصينة تهدد من خلالها الممر الملاحي الحيوي.

باب ملتهب
خلافاً عن كون باب المندب بمثابة شريان حاسم للاقتصاد العالمي، وأكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم، فيعد هو الممر الوحيد في العالم الملتهب والمحاط بالفوضى، لاسيما عقب هجمات بحرية ضد السفن شنها الحوثيون انطلاقا من مناطق سيطرتهم بتعز والحديدة وجزيرة كمران.

واستدعت هجمات مليشيات الحوثي أساطيل وبوارج عالمية إلى باب المندب، كان أبرزها تحالف حارس الازدهار بقيادة واشنطن وبمشاركة أكثر من 20 دولة والذي تشكل في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي لمرافقة سفن الشحن.

وكانت الحكومة اليمنية حذرت بشكل متكرر مليشيات الحوثي من مغبة هجماتها ضد سفن الشحن، واعتبرت أنها "تهدد أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وأنها مرتهنة لأوامر النظام الإيراني".

وتعيد عسكرة باب المندب بسبب هجمات الحوثي إلى الواجهة أعمال القرصنة الصومالية التي ظهرت عام 2007، وحولت المضيق إلى بؤرة توتر عالمية.

وضاعفت مليشيات الحوثي من مستوى التهديدات الأمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تحديداً الذي تسعى إيران إلى ربطه بمضيق هرمز عبر وكلائها الحوثيين لتتخذه أداة ضغط لتمرير إرادتها في السيطرة الإقليمية.

ورداً على هجمات الحوثيين في باب المندب، وجهت أمريكا وبريطانيا بدعم عدة دول أكثر من 60 ضربة للمليشيات في قصف مشترك يهدد بتوسيع رقعة الصراع في المنطقة.

وهكذا فيما تأسرك اللوحة الجمالية الطبيعية في باب المندب عند المغيب، تتلاطم الأمواج وتضطرب أحوال هذا المضيق في احتراب لا نهاية له.